كراهية البشر للموت باعتبارات عدة
يقول: (فلما كان الموت بهذه الشدة، والله قد حتمه على عباده كلهم، ولا بد لهم منه، والله تعالى يكره أذى المؤمن ومساءته، سمى ذلك تردداً في حق المؤمن). فهل هذا هو الاعتبار الوحيد أن الموت شاق وشديد؟ نعم، لكن هناك اعتبار آخر هو: هل الناس يكرهون الموت؛ لأنه شاق وشديد فقط؟ نعم؛ لأن فيه مفارقة الحياة، ولذلك بما أغرى إبليس أبوينا آدم وحواء فقال لهما: (( هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ))[طه:120] فسبحان الله! هذه نزعة موجودة من غير أن يفكر، ما دام فيها خلود، إذاً اندفع ونسي ما كان قد أعطاه الله وأوصاه الله به، أي: حب الحياة، حتى لو لم يكن في الموت مشقة، وكثير من الغربيين مخدوعين في هذا؛ لأن عندهم أنواع يسمونها: الموت المريح، وفي الحقيقة لا شيء مريح في ظاهر الأمور، لكن الموت المريح هو موت المؤمن الذي وفقه الله سبحانه وتعالى، وإن كان أيضاً لا يكره شدته للمؤمن كما سنرى إن شاء الله، لكن المقصود في نظر بعض الناس عضوياً أو ظاهرياً أن هناك موتاً مريحاً، أي: غرفة غاز يموت بهدوء ويرمونه وانتهى، إن الأمر ليس كذلك، إذ إن فيه انقطاع للحياة وللذة، والحياة محبوبة لدى البشر جميعاً، فأكثر البشر يكرهون الموت لأن فيه مفارقة المحبوب، وهم يحبون هذه الحياة ويتشبثون بها على ما فيها، وهذا حال أكثر الناس، وليس فقط لمجرد أن الموت فيه شدة، حتى لو لم يكن فيه شدة، فإنهم يكرهونه لما فيه من المفارقة، فهذا هو الاعتبار الآخر، فإذاً الناس جميعاً يكرهون الموت؛ لأنهم يفارقون الحياة، وحب الحياة أمر فطري راسخ في أنفسهم، فالمؤمن الولي يكره الموت بهذا الاعتبار، حتى من باب أنه يحب الحياة ليطيع الله، وهذا أيضاً اعتبار وجيه، فأنا أحب أن أعيش لأعبد الله، والمهم أنه يكره الموت، ولكن لا بد له منه، فهنا صار التردد.